الرثاء في الأدب المغربي القديم أبو الحسن الحصري القيرواني الضرير أنموذجا
No Thumbnail Available
Date
2013
Authors
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة أم البواقي
Abstract
يعد أدبنا العريى عامة والمغربى خاصة بحر ملىء بالدرر و الجواهر لمن
غاص في بحوره وتعمق فكلما تعمق الباحث حاز الأفضل والأجمل و الأندر من
الأصداف و اللآليء في شتى المجالات والفنون منها، المدح، الهجاء ، الوصف الغزل، الحماسة، الرثاء .
والرثاء يعتبر من الظواهر الإنسانية التي يبدي فيها الراثي تفجعه على الميت و
إبداء الحزن على فراقه ونصوير الخسارة التي نجمت عن فراقه يقوله الشاعر في
لحظة صدق وعصارة حزن، لما يتسم به من واقعية تامة وعفوية مناسبة وصدق فني وقدرة على التعبير عن هذه العاطفة الإنسانية
لخالدة.
ولهذا الفن أنواع هي: الندب، التأبين، العزاء.
ل. الندب: عريا عند العرب منذ الجاهلية وهو إسراف الراثي في النواح والنحيب والصراخ على المرثي و يكون فيه في قمة لوعته وحزنه حيث يلجأ إلى نظم الأشعار
ليبث حرقته ولوعة قلبه.
2. التأبين: هو الثناء على الميت وذكر مناقبه و محاسنه.
3. العزاء: هو الصبر والرضا بالقدر المحتوم والموت كأس محتوم يتذوقه الجميع.
نطور الرثاء عبر العصور:
1- العصر الجاهلي: كان الشعر عبارة عن مقطوعات قصيرة، والرثاء عرف في
هذا العصر حيث كان موطن العاطفة الحزينة والمشاعر التي تدق باب الفناء
يصف فيها المرثي بكل الصفات التي يصف بها الممدوح ،فهم رثوا أبطالهم من القتلى وأشرافهم من الأقارب والخلان، وهناك من رثى نفسه إذا أحس بدنو اجله. 2.صدر الإسلام: كان هناك نطور كبير في العصر الإسلامي، أحدث تغييرا كبيرا
في مجال الرثاء أصبحت مراثيهم تتضمن معاني الجهاد والإشادة بالبطولة والشهادة في سبيل الله والالمام بمبادئ الدين الاسلامي، ورثاء الخلفاء الراشدين .
3. العصر الأموي؛ يعتبر رثاء عصر بني أمية امتدادا لرثاء صدر الإسلام من
حيث الثكل والمضمون إلا انه تميز بتنوع الأحزاب السياسية كالشيعة والخوارج و الزبيريين كان لكل حزب شعرإء يبكون قتلاهم.
4- العصر العباسي: عرف هذا العصر لون جديد من الرثاء هو رثاء المدن الداثرة
والمتساقطة في أيدي الغزاة، ورثاء الدواب والأثاث والأدوات مثال ذلك القصيدة الهرية لابن العلاف.
5. العصر الأندلسي: حذو حذوا المشارقة،تميزت مراثيهم بغلبة عنصر العاطفة والاعتماد على التشبيه والإستعارة وإبراز المعاني وبث الحركة فيها.
أشكال الرثاء:
1- رثاء الأقارب والأبناء: تميز هذا الشكل بصدق العاطفة والحكمة كما رثوا بعض موتاهم على لسان أقاربهم و ركزوا على الصفات المعنوية أكثر من الحسية.
2. رثاء النفس: لم تكن قصائد الرثاء مطولات، أحيانا لا تتجاوز بيتين وجل قصائده تأخذ طابع الاعتبار، وبكاء الشباب انتشر بشكل ملحوظ.
3- رثاء المدن: الطابع الغالب على هذا النوع هو الأسى العميق والتماس العظة
والتأسي والتأسف في قيام الدول ثم زوالها منذ القدم، لنفجع على الأهل والرفاق والمقابلة القاسية بين هزلهم في حقهم واستنهاض همم المسلمين في شتى
الأقطار. من بين الشعراء و الذي كان له صدى كبير في عصره أبو الحسن الحصري القيرواني الضرير الذي ارتأيت ان تكون دراستي حول هذا الشاعر الفذ الذي كان له ديوان كامل في رثاء ابنه عبد الغني من هو هذا الشاعر؟
1- أبو الحسن الحصري القيرواني الضرير: هو أبو الحسن علي بن عبد الغني
الفهري المصري(بضم الحاء وتسكين الصاد) الشاعر الضرير وينتهي نسبه إلى قبيلة فهر بن مالك بن النظر بن كنانة أحد أجداد الرسول صلى الله عليه وسلم
وقبيلة فهر بطن من قبيلة قريش وإليه ينتمي القائد فاتح بن عقبة بن نافع الذي أسس مدينة القيروان سنة (50 ه).
أما شهرته ب " الحصري " ففيها رأيان : هناك من يرى ذلك بسبب انتمائه إلى عائلة
تمتهن صناعة الحصر وهناك من يرجع السبب إلى بلدته الأصلية حصر التي تقع فى القيروان تونس ولكننا حينما نعود إلى أشعار أبى الحسن لا تجد لها ذكرا .
ولد الحصري في حي الفهريين الذي يقع في الجهة الشمالية من جامع عقبة بن نافع
بالقيروان ، في بيئة عربية خالصة تعتز بنسبها إلى قبيلة قريش ، وبقرابتها من الفاتح
العريي الإسلامي عقبة بن نافع و إذا كان المؤرخون قد اتفقوا في تاريخ وفاته، فإنهم اختلفوا في تاريخ ميلاده فمنهم من لم يذكر؟ ومنهم من قال بميلاده سنة 415 ه
كصاحب معجم المؤلفين، ومنهم من قال بميلاده سنة 420 ه كالمؤرخ التونسي
حسن حسني عبد الوهاب دون أن يقدم أي منهما سنده في تحديد تاريخه، ولكن
بالرجوع إلى ما قاله شاعرنا في إحدى مراثيه لإبنه عبد الغني نجد فيه ما يؤيد تقدير المؤرخ حسن حسني عبد الوهاب.
الشاعر الضرير ؛ اختلفوا في تحديد سن عماه فتركوا سؤالا محيرا : هل ولد
الحصري أعمى ؟ أم أنه عمي بعد الولادة ؟ نجد اختلاقهم في وصفه، فمنهم من وصفه بالضرير وقال أنه ولد أعمى ومنهم من وصفه بالكفيف والمكفوف
- آثاره : هناك جزء كبير من شعره قد ضاع، ولم يصل إلينا من مؤلفاته إلا أ- الرائية ; وهي منظومة في قراءة نافع، تشمل على مائة و إثنى عشر ييتا ب—
مستحسن الأشعار؛ ويضم مجموعة من القصائد نظمها الحصري في مدح المشد
بن عباد ، وجمعها في كتاب واحد ، وأضاف إليها قصيدة جديدة في مدحه ثم أهدى
المجموع إلى المعتمد بن عباد حين نزل بطنجة
ديوان المعشرات ؛ ويضم تسعا وعشرين قصيدة من غرض النسيب، نظمه
الحصري على حروف الهجاء ، إختص كل حرف بقصيدة من عشرة أبيات يبتن ئ كل بيت منها بالحرف الذي ينتهي به، ومجموع أبياته مئتان وتسعة وتسعون ر 299)
بيتا.
د- ديوان إقتراح القريح وإجتراح الجريح : وجميع قصائده في رثاء إبنه عبد
الغني الذي مات في التاسعة من عمره عدد أبياته ألفان وخمسمائة وواحد وتسعون (2591) بيتا، يشتمل قسمين : قسم الأصل ، وعدد أبياته ألفان ومائة وستة
وخمسون (2156) بيتا، وقصائد مبوبة على حروف الهجاء ، وقسم الذيل، الذي
يشتمل على أربعمائة وخمسة وثلاثون ( 435) بيتا، مقسمة على تسع وعشرين
حرفا هجائيا، كل حرف يخصه قصيدة ذات خمسة عشر (15) بيتا.
ه- ديوان المتفرقات: ويحتوي على مجموعة أشعار نظمها الحصري في
مناسبات مختلفة، وأغراض متعددة، ولم يجمعها حسبما صرح هو نفسه بذلك
في مقدمة ديوانه (إقتراح القريح و إجراح الجريح) وقد اجتهد مؤلفنا في جمعها ونشرها في قسم خاص لها.
و- رسائل الحصري؛ وهي رسائل نثرية، منها ما هو موجه لأصدقاء الشاعر
ومنها ما هو موجه لخصومه،اشتهرت بما اشتملت عليه من ألوان البديع خاصة السجع والجناس.
- عبد الغني : قبل الحديث عن نظرة أبي الحسن الحصري إلى ابنه عبد الغني لابد من البحث عن سبب اهتمامه بهذا الابن دون إخوته السابقين واللاحقين. فالشاعر ، ذكر في ديوانه
(اقتراح القريح و اجتراح الجريح) الذي نظمه في رثاء ابنه (عبد الغني) أنه فقد أربعة من أبنائه ، ولا يزال الخامس على قيد الحياة آنذاك . كما يظهر من شعره أن له ولدا سادسا أكبر من عبد الغني كان حيا بعد موت أخيه تضاف اليهم بنت تسمى(أم
العلو)
إن اهتمام الحصري بعبد الغني دون إخوته السابقين راجع إلى : أ- أن هذا الطفل كان أحب إخوته إلى والده
ب - أن هذا الطفل الوحيد الذي أنجب من زواج ، عكس الأبناء الآخرين الذين كانوا من إماء
ج- أن عبد الغني كان الولد الوحيد للزوجة التي أحبها حبا حقيقيا. د- ملازمة الطفل له ، بعد ارتحال أمه
ه- كونه ذكيا إلى أبعد الحدود يقول والده عنه أنه كان ملازما لقراءة القرآن في الكتاب ، يحفظه ويعيد ترتيله وتجويده ويحسن كثيرا من فنون المعرفة وهو ابن تسع
و- موت الطفل بالرعاف ( نزيف يصيب الأنف، ، وهي ميتة تحمل الكثير من آلام مرضها، التي سببت بدورها آلاما نفسية للوالد ، وجراحات كوت كبده كيا .
ز- اسم الطفل (عبد الغني) ، وهو اسم جده ، والد الشاعر الذي مات في القيروان
هذه الأسباب مجتمعة ، كانت لهذا الطفل مكانة خاصة في قلب والده ، فخلده بديوان كامل ، تضمن ما يقارب الثلاثة آلاف بيت .
بعد ذكر هذه الأسباب ، يجدر بنا أن نشير إلى نظرة الحصري إلى ابنه عبد الغني فماذا يمثل هذا الابن بالنسبة لأبيه ؟ رأينا فيما سبق أن الأعمى ينظر إلى الناس في المجتمع المحيط به على أنه يختك
عنهم اختلافا كبيرا ، وهذا الاختلاف يشعره بخوف دائم منهم ، ومن ثم يظل دائم الحاجة إلى من يحترس به من آذاهم ، إلى دليل يتوسم فيه الثقة والوفاء .
ذلك ما وجد في شخص والده أولا ، ثم في زوجته — قبل أن ينكشف له غدرها-ثانيا، وفي ابنه أخيرا ، الذي يبدو أنه بفقده فقد كل لذاته، وانهارت، كل آماله . فعبد الغني — في نظر الحصري- امتدادا له ، بل عوض عن جده ، كما هم مفخر لأخواله وأعمامه لما اوتية من نجابة وتفوق *
أما فيما يخص الدراسة التطبيقية من ناحية الصور الفنية فهو أظهر تفوقه فيها بتميزه
في الأفكار والمعاني والأسلوب، كما برزت في شعره كثرة البديع المتمثلة في كثرة الجناس والطباق.
الشاعر يقارن بين نفسه في فقد إبنه وبين بعض الأنبياء كيوسف عليه السلام وشخصيات التاريخ الإسلامية كقص بن ساعده ،والقراء كالأعجمي.
الشاعر ألزم قوافيه مالا يلزم ،ورتب حروف قوافي قصائده حسب حروف الهجاء ولم يكتفي بلزوم مالا يلزم ،وعمد تصريع أوائل قصائده .
وخلاصة القول أن أبا الحسن الحصري بشاعريته الفذة وتجربته في الحياة وكثرة ما لاقاه من الدهر ، بما في ذلك فرار الزوجة وفقد الأبناء والرحيل عن الوطن، استطاع أن يعوض عما يجده في نفسه من نقص بسبب عماه التصوير وروعة الشبيه ، فهو خلق فنا عوضه عما فقده .
Description
Keywords
الرثاء