نظام الحماية القانونية للطفولة المعرضة للجنوح
No Thumbnail Available
Date
2011
Authors
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة أم البواقي
Abstract
إن العمل الاجتماعي مع الأطفال يشكل عبئا كبيرا على الأطراف المعنية بعدالة الأحداث والتي تتعامل معه بروح الرسالة والخدمة الخاصة بهذه الفئة البريئة ذات الحالات الاستثنائية والصعبة و ذلك بالنظر إلى الدور التربوي والوقائي والإصلاحي وإلى المهمة القضائية التقنية. وقد حضي الطفل باهتمام كبير تبلور في وضع إطار عمل قانوني لقضاء الأحداث بصفة عامة سواء على المستوى الدولي بوجود العديد من المعايير الدولية المفصلة حول إدارة عدالة الأحداث تدعو إلى منع جنوح الأحداث والوقاية المبكرة منه وكذا مكافحته.
وتعتبر اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 المحور الرئيسي في تطوير عدالة الأحداث بما فيها الرعاية الحماية الاجتماعية، ولا ننسى الدور الفعال لكل من قواعد وتعليمات الأمم المتحدة حول عدالة الأحداث بالخصوص القواعد النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الأحداث (قواعد بكين) لسنة 1985 و المبادئ التوجيهية لمنع جنوح الأحداث (مبادئ الرياض)لسنة 1990.
وعلى المستوى الداخلي كان المشرع الجزائري سباقا لتنظيم هذا الموضوع بالاهتمام بهذه الشريحة الحساسة التي تستوجب التدخل المبكر و إجراءات قضائية خاصة لوقايتها من الوقوع في الجنوح. كان ذلك بإصداره للأمر 72/03 المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة والمؤرخ في 10 فيفري 1972 و إخراجه في قانون مستقل لذاته و لم يتركه ضمن مواد القانون المدني و الإجراءات المدنية، تلاه الأمر 75/64 والمتضمن إحداث المؤسسات والمصالح المكلفة برعاية الطفولة و المراهقة، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الأوامر والمراسيم التي تدخلها حيز التنفيذ.
ولم ينس المشرع الجزائري الاهتمام بالطفل في كل موضع قانوني متى مس بالطفل إذ يخصه أحكام تتماشى وطبيعته.
تطرقنا من خلال هذه الدراسة إلى بيان أحكام هذه المعايير الدولية والداخلية و بينا موقع المعايير الدولية في القوانين الداخلية، وكان علينا أيضا أن نوضح كيفية تجسيد هذه المبادئ في الميدان وعليه تطرقنا إلى الجانب التطبيقي و أوضحنا طريقة العمل مع الأطفال المعرضين للجنوح على مستوى قضاء الأحداث وعلى مستوى مؤسسات الرعاية والحماية الاجتماعية.
كان هدفي من هذه الدراسة هو معالجة إشكالية رئيسية و عدة إشكاليات ثانوية منبثقة عنها والمبينة في مقدمة هذا البحث، إلا أنه تعذر عليا الإجابة عليها قبل التطرق للجانبين أي النظري والتطبيقي لذا أجلت ذلك إلى حينه وتناولته في خاتمة الموضوع.
وبالنتيجة يمكن القول أن المشرع الجزائري ومن خلال سياسته الجنائية اعتمد في معالجة الجرائم على أسلوب الوقاية إلى جانب أسلوب المكافحة الميدانية للجرائم، ومن باب ذلك بالنسبة للأطفال سواء الجانحين أو الذين ارتكبوا جرائم فقد جعل من تدابير الحماية والتهذيب الأصل في معاملتهم أثناء الاحتكاك بالقانون و من العقاب الاستثناء، وبالتالي فقد استعمل أسلوب الوقاية من الجرائم بعد حدوثها لمنع الأطفال من العودة للأجرام ثانية.
أبعد من ذلك أوجب المشرع التدخل المبكر لمنع وقوع الإجرام بسنه لتشريع يحمي كل طفل تظهر عليه بوادر الوقوع في الإجرام فيكفي وجود الخطورة الاجتماعية حتى يتم التدخل أو كما عبر عنه المشرع بوجود الطفل في حالة الخطر بسبب أي عامل من عوامل الخطر والتي أرجعها المشرع إما للبيئة المادية والاجتماعية والاقتصادية، أو المهارات والسمات الفردية..
كل من يطلع على هذا الموضوع يتبادر إلى ذهنه مما لا شك فيه سؤال حول ما إذا كان الأمر 72/03 المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة لا يزال ساري المفعول أم لا وهل مسته تعديلات أم لا؟
رغم أن اتفاقية حقوق الطفل تلزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير التشريعية والإدارية لإعمال حقوق الطفل وانسجام القوانين والسياسات الوطنية مع الاتفاقية وذلك بموجب المادة الرابعة منها.إلا أن الجواب وبكل بساطة لا يزال الأمر ساري المفعول ودون أي تغيير طرأ عليه ولو جزئيا أو حتى ضمنيا. و بالتالي لماذا أبقى عليه المشرع رغم التطور الكبير الذي مس جميع الميادين وانعكس بطبيعة الحال على الكائن البشري، هل بسبب أن هذا القانون كاف لتوفير الحماية اللازمة لهذه الفئة أم لصعوبة مراجعة القوانين ؟
وباستقرائنا لمواد إطار العمل القانوني متكاملا ومقارنة مع المعايير الدولية من ضرورة حماية مصلحة الطفل الفضلى وحقه بالمشاركة في اتخاذ القرارات الصادرة في حقه وعدم فصل الطفل عن والديه وإبعاده عن وسطه العائلي إلا للضرورة ولأقصر مدة ممكنة وعدم حرمانه من حق زيارة الأهل له في مراكز الحماية وغيرها من المبادئ التي سبق توضيحها في صلب الموضوع نجد وان التشريع الداخلي وأعني بالحديث الأطفال المعرضين للجنوح منسجم مع المعايير الدولية لاحترامه أهم المبادئ الدولية ومتفق معه إلى حد كبير هذا من جهة.
من جهة أخرى فإن الإصلاح التشريعي عملية طويلة و تستهدف الوقت وتتطلب إجراء تحليل شامل للوضع لتغطية جميع الجوانب المتصلة به.
إذن فالعيب ليس في التشريع ، فهل هو في التطبيق؟
إن سلطات قاضي الأحداث أثناء التعامل مع الأطفال المعرضين للجنوح جد واسعة نظرا لأن مواد الأمر جاءت بصيغة العموم و تناولتها بالتفصيل في الفصل الثاني. و مما يكفل أيضا فرص التفريد أمام قاضي الأحداث أو السلطات المعنية التي تعمل معه في اختيار التدبير والعلاج اللازم لكل حالة تعرض عليهم و اختيار وجه الحماية اللازمة لأجل القضاء على سبب التعرض للجنوح وتقويم سلوك الطفل ودمجه اجتماعيا.
من هذه السلطات بدأ بتعدد أساليب وطرق طلب الخدمة والحماية إما باللجوء مباشرة للشرطة أو مصالح الحماية الاجتماعية أو إلى قاضي الأحداث أو عن طريق وكيل الجمهورية أو الدفاع أيضا. وكلها طرق تصب في قناة واحدة وهي الوصول إلى قاضي الأحداث. ووسع في تعداد الأشخاص الذين لهم حق التدخل وتقديم عريضة ولم يقصر ذلك فقط على المسؤولين عن الحدث.
من جانب ثان وضع المشرع في يد قاضي الأحداث مجموعة من التدابير لإضفاء حماية أفضل لمن يطلبها بإعطاء فرصة اختيار التدبير الملائم لكل وضع و راع مبدأ التدرج في سرده للتدابير اعتمادا على معيار عدم فصل الطفل عن والديه وعدم إبعاده عن كنف أسرته إلا للضرورة.
هذه التدابير المتاحة كفرص لتقويم سلوك الحدث منها ما يبقي القاصر في بيئته ومنها ما يخرجه من وسطه العائلي.
تنفيذ للتدابير التي تخرج الطفل من وسطه أوجد المشرع آليات لذلك بإنشاء المراكز والهيئات المكلفة بمساعدة الطفولة المعرضة للجنوح.
حمل المشرع مسؤولية كفالة الحماية لكل من قضاء الأحداث و كذا المؤسسات المرفقية المخصصة لاستقبال الأطفال المعرضين للجنوح، مع تحديد مهام كل هيئة وضرورة تنسيق العمل فيما بينهم.
على الرغم من أن المجال متاح دائما للتغيير والإصلاح القانوني، إلا أن من أصعب المشاكل لا يكمن في نص القانون فحسب بل في غياب تطبيق القانون والطريقة التي ينفذه بها المختصون لذا قد يكون التصرف بشكل ملائم وتنفيذ القوانين القائمة أهم من إصلاح القوانين. ويمكن أن تحدث المبادرات ويقع التقدم في عدالة الأحداث بصفة عامة في ظل تنفيذ سليم للقوانين السارية و لمنع جنوح الأطفال وهذا يساهم في النظام وحماية المجتمع على المدى الطويل.
رغم أن هذه هي النتيجة المتوصل إليها من خلال معالجة الإشكالية إلا أن الإصلاح التشريعي ضروري لتلبية حقوق الأطفال بالكامل، حيث يستدعي التوافق مع اتفاقية حقوق الطفل مراجعة تشريعات الدول وتفعيلها حتى تصبح قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
كما يفرض على الدول أن تقوم بتوعية المجتمع بحقوق الطفل ويؤدي ذلك بالمقابل إلى التقدم وطلب أكبر الخدمات المتاحة لأجل الحماية وأيضا من واجب الدول توفير الإمكانيات المؤسساتية وهو أمر ضروري استجابة للتغيرات،هذا من جهة.
ومن جهة أخرى يجب أن يبنى القانون الجديد على مكامن القوة في القانـون القديـم ويطـرح إصلاحات تعالج مكامن الضعف فيه والمتمثلة أساسا في:
" ضرورة وجود انسجام بين ترسانة القوانين المنظمة للموضوع و تناسقها ويكمن المشكل في أن مراجعة كبرى لأي جانب من جوانب القوانين المتعلقة بالأطفال سيكون لها أثر كالدومينو،مما يعنـي وجوب التأكد من أن القطع الأخرى في التشريع مازالت متسقة.
" الربط بين حماية الأطفال وعدالة الأحداث.
" يجب الجمع بين القوانين المتعلقة بالأطفال، فتجزئة التشريعات تعني أن الأطفال سيضيعون حتما في الفجوات، على سبيل المثال:في حالة وجود سن أدنى للمسؤولية الجزائية،ستكون هناك الحاجة إلى قوانين مناسبة للأطفال دون السن الأدنى،و هذا ما يستدعي الإحالة إليها.كما يبرر الارتباط النهج الكلي لاتفاقية حقوق الطفل والترابط بين أحكامها.
وفي الوقت ذاته هناك الحاجة إلى الفصل بين نظامي عدالة الأحداث الجنائية و الحمائية،لأن كل جانب يسترشد بمبادئ لا تتفق مع الجانب الأخر ولتجنب ذلك من الضروري مراجعة الجانبين من القانون في الوقت ذاته وضمان تعاون العاملين من الجانبين.
ولكي تكتسب القوانين الجديدة المصداقية والدعم، يجب على الدولة أن تهيئ آليات أكثر فعالية لتنفيذ القوانين وعلى واضعي السياسة في الدولة التركيز على أنواع السياسات التي يتم تطويرها وحول الأمور التي تنجح وسبب نجاحها،و كيف تصبح فعالة،ولذا نوصي بما يلي:
" ضرورة تكريس مبدأ التخصص للمتعاملين مباشرة مع عدالة الأحداث سواء بالنسبة للجهاز القضائي أو أجهزة الرعاية الاجتماعية، أي بالنسبة للشرطة،القضاة ولا ننسى الدفاع أيضا،وكذا بالمراكز، للأخصائيين التربويين،الاجتماعيين،النفسانيين وغيرهم.
" ضرورة تكثيف الملتقيات، والدورات التكوينية بمشاركة جميع التخصصات ليتم التوصل إلى توحيده من الناحية التطبيقية.
" إيجاد بدائل أخرى للتدابير،كالعائلات البديلة والجمعيات ذات العلاقة بالطفل،بتشجيع وتحفيز المتطوعين سواء من عائلات أو مربين ومندوبين متطوعين.
" طلب المزيد من المراكز المجهزة بشكل أفضل،فهناك بالفعل مواقف تحتاج بشدة إلى تحسينات مادية.
" توعية المجتمع بحقوق الطفل ودور الوقاية المبكرة في الحد من الجنوح وإبراز أكثر السبل فعالية في التعامل مع الأطفال لأن العقوبة قد تضر كثيرا الأطفال و تؤدي إلى وصمهم اجتماعيا وتشكل عقبة أمام إعادة دمجهم في المجتمع.
" إتاحة السبل لتقديم الرعاية اللاحقة وإعادة إدماج الأطفال اجتماعيا بتوفير الخدمات وكذا العاملون والهياكل،مع تعزيز حجم المراقبة والضبط على الأطفال وهم في المجتمع.
" ومن اجل أن ننجح في توفير الحماية للأطفال المعرضين للجنوح بتقويم سلوكهم وإعادة دمجهم يجب أن تعمل الأطراف المعنية بعدالة الأحداث معا وتطوير آلية التعاون و تتظافر الجهود فيما بينها للقدرة على التعامل مع عوامل الخطر،ولأجل تمكين الطفل من العيش في المجتمع بشكل إيجابي وبالتالي تحسين نوعية حياته وحياة المجتمع ككل.
Description
Keywords
جنوح الأحداث