تعليمية النصوص الأدبية بين المقاربة بالأهداف و المقاربة بالكفاءات
No Thumbnail Available
Date
2012
Authors
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة أم البواقي
Abstract
السنة الأولى من التعليم الثانوي العام والتكنولوجي-أنموذجا-
إن تجويد عملية التعليم والتعلم بغية الرفع من المردود التربوي يتطلب الخروج من الجمود التعليمي القائم على التلقين واستظهار المعلومات' إلى حيوية التعليم الناتج عن البحث و الاكتشاف'وهذا لا يأتي إلا بإحداث تطوير في المناهج التعليمية وتوظيف كل ما وصل إليه التقدم العلمي في مجال التكنولوجيات الحديثة
ولما كان لزاما على المدرسة إن تعد المتعلمين للتفاعل مع مختلف الوضعيات التي تواجههم في حياتهم , اخذ خبراء التربية يفكرون في إعادة بناء الفعل التعليمي وفق مبادئ مبنية على ما هو انفع وأفيد بالنسبة إلى المتعلم وأكثر اقتصادا لوقته فتم تبني فكرة بناء المناهج وفق المقاربة بالكفاءات كرد فعل للمناهج المبنية وفق المقربة بالأهداف
لقد كان الاعتماد على الأهداف التربوية يعتبر كأساس في بناء المنهج,ومرد ذلك كونه يهدف إلى تحديد أهداف التربية و التعليم ويطمح إلى تنظيم الفعل التعلمي وجعله قائما على التخطيط و الأداء والتقويم،لكن نظرا للنقائص و الانتقادات التي وجهت لهذا النموذج و أبرزها اعتماده على الطريقة التلقينية في التدريس ،تم الارتكاز على المقاربة بالكفاءات من حيث هي اختيار يستجيب للممارسات البيداغوجية المعاصرة التي تسعى إلى تطوير الكفاءات التعليمية لدى المتعلم .
و مما يجدر ذكره أن هذه المقاربة الجديدة تهتم بالدرجة الأولى بالدور النشيط الذي يؤديه المتعلم في العملية التعليمية / التعلمية و تجعل منه محور الفعل التعلمي ، فهي تنطلق من مبدأ مفاده أن المتعلم لا يقدم معارف جاهزة إلى المتعلم و لكن يعينه بتوجيهات سديدة بالشكل الذي يسمح له ببناء معلوماته و معارفه ، و هذا لا يعني تغييب دور المعلم ، حيث إنه يأدي دورا في اكتساب المتعلم للمعارف في تنظيم نشاطات التعلم و إذكائها و تقييمها فيكون في وضعية قيادة المتعلم إلى إدماج مكتسباته.
و في موضوع هذا البحث تم اختيار نشاط النصوص الأدبية للسنة الأولى من الطور الثانوي لتتم من خلاله الموازنة بين المقاربة بالأهداف و الكفاءات و كذلك تبيين طريقة تدريس وفق كل منهما ، و من خلال الدراسة المجراة يمكن القول ،إن طريقة تدريس النص الأدبي في بيداغوجيا الأهداف لا تكاد تخرج عن نمطية ثابتة و تُتناول من منطق مغلق،إذ يتم الدرس في إطار استخراج الفكرة العامة و الأفكار الأساسية و شرحها في مرحلة التحليل و الشرح ، ثم مناقشة هذه الأفكار في مرحلة النقد و الاستنباط مع الإشارة إلى العاطفة و نوعها و دراسة الأسلوب من حيث الحكم على الألفاظ و التراكيب و الخيال و من ثم تستخرج الأحكام و القيم من النص .
و من الملاحظ في الكتاب المدرسي للتلميذ أن هذه العناصر تتكرر أثناء دراسة النص الأدبي،
مما جعل منها قواعد ثابتة يستعين بها المتعلم كلما أراد دراسة نص أدبي ،و بالتالي يتعود على آلية الإجابة الجاهزة ، و مثل هذه الطريقة في التدريس الخاضعة للقواعد الثابتة و النمطية الآلية في التحليل من شأنها أن تجني على أسلوب التفكير لدى التلاميذ إذ يفترض في مادة النصوص الأدبية - التي تكتسي أهمية بالغة في بناء شخصية التلميذ باعتبارها تكون شخصيته و توجه سلوكه و تنير فكره-أن تنمي لدى التلميذ طلاقة الفكر و الحرية في التعبير.
عن الرأي وكذا ملكة الإبداع لديه، لكن بدلا من ذلك نجدها طريقة خاضعة لقوالب ثابتة جاهزة وتدفع بالتلميذ إلى الشعور بالرتابة و الضيق بالمادة والتعود على سماع الأحكام المعروفة المألوفة من مثل (الأفكار واضحة، سهلة الفهم،بسيطة...)وكذا (العاطفة قوية.صادقة...) والأسلوب (جزل، قوي،لا تكلف فيه..)ومثل هذا الأسلوب في التعامل مع النص الأدبي يبقي عقول التلاميذ جامدة و أفكارهم مقيدة و مبادراتهم محصورة،إذ إن تذييل النصوص بدراسة مفصلة هي دراسة في واقع الأمر لا تعكس سوى قراءة صاحبها.
كما أن هذا الأسلوب لا يمكن أن يهيئ التلميذ للاندماج مع محيطه والتفاعل معه مثلما تدعو إليه المقاربة الجديدة التي من خصائصها دفع المتعلم إلى الاستقلالية برأيه وتشجيعه على المبادرة. ولذلك تغيره نمطية دراسة النص الأدبي من منظور المقاربة بالكفاءات. وصار النص يتناول انطلاقا من كونه نصا احتماليا متعددا مفتوحا على قراءات متنوعة تسهم في إغنائه و إثرائه،ومن هذا المنطلق في دراسة النص الأدبي يتمكن التلميذ من تحسين أسلوبه في التفكير و كذلك تنمو لديه ملكة الإدراك و التخيل و الابتكار، وتزيد ثقته في قدرته على العمل.
وتتم دراسة النص الأدبي وفق المقاربة بالكفاءات بتبني المقاربة النصية كطريقة تربوية لتفعيل الدرس الأدبي ،وهي تجعل المتعلم موضع المتفاعل من الدراسة باستثمار مكتسباته القبلية وحسن توجيهه وإرشاده من قبل الأستاذ مما يساعده على فهم معنى النص.والمقاربة النصية ترمي إلى جعل النص محورا تدور حوله مختلف الأنشطة اللغوية، إذ يتناول النص موضوعا يمارس المتعلم من خلاله التعبير و المطالعة ويتعرف على بنائه وكذلك يلتمس من خلاله القواعد،وهذا ما يسمى منطق الإدماج، أي إدماج مكتسبات الروافد اللغوية ،ويتوصل التلميذ من خلال كل ذلك إلى القدرة إنتاج نصوص شبيهة بالنصوص المدروسة لأنه تعرف على الكيفية التي بني بها النص و استثمر ذلك في بناء نصوصه الخاصة.وبما أن التدريس في ظل المقاربة بالكفاءات يهدف إلى جعل التلميذ بانيا لمعارفه، يتم تنشيط الدرس بالاعتماد على توجيه الأسئلة إلى التلميذ بهدف تمكينهم من الاكتشاف و الاستيعاب و ترسيخ أحكام الدرس في الذهن ،وعليه تم تجنب تذييل النصوص بالشرح المفصل و صار الدرس يُفعل بصوغ أسئلة تمكن المتعلمين من الوقوف على أفكار النص ودراسته بما يدربهم على الغوص في معانيه، وكذلك تثير حيويتهم و فضولهم و نشاطهم.وفي المقابل يتمكن التلاميذ من بناء أسئلة قد تهتدي بهم إلى دلالات ومعان خفية.وعن نمط النص المدروس فلا يصرح به كما هو الحال في طريقة تدريس النص الأدبي وفق المقاربة بالأهداف بل يتم ذلك ببناء أسئلة جزئية تساعد المعلم على اكتشاف نمط النص وخصائصه.وليس ذلك فقط،بل تسعى هذه المقاربة إلى تدريب التلاميذ على إنتاج نصوص جديدة وفق النمط المدروس من حيث الانسجام و التماسك،وكذلك يتم تفحص مظاهر الاتساق و الانسجام في تركيب فقرات النص من خلال توجيه أسئلة إلى التلاميذ لجعلهم قادرين على اكتشاف مظاهر الربط القائم بين معاني النص. وبعد تخطي هذه المراحل يتم إجمال القول في تقدير النص بصوغ أسئلة تمكن المتعلمين من رصد تقدير للنص.
أما عن الطريقة المتبعة في التدريس، فلا يلتزم الأستاذ من منظور المقاربة بالكفاءات بطريقة ثابتة في تنشيط النص الأدبي ، بل يكيف درسه ليوافق ظروف الموقف التعلمي ،والأسئلة المذكورة في الكتاب المدرسي لاتحتم عليه الالتزام بها، إذا إنها ذكرت من باب الاستئناس و يمكن أن يغيرها أو يفرع سؤالا يراه عاما أو يضيف أسئلة أخرى تخدم اكتشاف المعطيات المتعلقة بالنص المدروس.
و من خلال ما تقدم يمكن استنتاج بأن طريقة تدريس النص الأدبي وفق المقاربة بالأهداف تعتبر مثالا واضحا عن النظرة التي تقوم على أساس أن عقل المتعلم مستودع فارغ ينبغي ملؤه بكنوز المعرفة ، في حين أن الأمر يختلف وفق المقاربة بالكفاءات ، فالمتعلم مسهم فعال في بناء معارفه عن طريق البحث و الاكتشاف فيكتسب قدرات و مهارات ،ويظهر ذلك جليا في تقديم النص ، فالملاحظ أن الأستاذ يعمد إلى دفع تلاميذه إلى الاعتماد على النفس و التثبت من المعرفة عن طريق البحث و الاطلاع ، و كذا حثهم من خلال الأسئلة على المناقشة و الاستفسار و الاستنتاج حول إصدار الأحكام و تعليلها،و دور الأستاذ هنا مساعد يتدخل من أجل التوجيه و الإرشاد حينا و التصحيح حينا آخر.
كذلك يمكن القول ،إن اعتماد بيداغوجيا الكفاءات أنسب ما يكون لتدريس نشاط النصوص الأدبية ،حيث إن تبني هذه البيداغوجيا من شأنه أن يذكي القدرة على التفكير لدى التلميذ، فتنمو النزعة العقلية في تفكيره و سلوكه، و كذلك تنمو لديه ملكة الإدراك و التخيل و الابتكار، و تزيد ثقته في نفسه و في قدرته على العمل ،و كل ذلك لم يكن يتوفر في طريقة تدريس النص الأدبي وفق بيداغوجيا الأهداف.
كما أن المقاربة بالكفاءات جاءت لتجعل المتعلم يتفتح على الحياة و يؤدي دوره على أكمل وجه مستعينا برصيده المدرسي،و هي تسعى إلى وضعه في قلب العملية التعليمية/التعلمية و جعله عنصرا فاعلا فيها،يحلل ما يقرأ،و ينقد و يختبر ساعيا لاكتشاف معنى الأشياء بنفسه،و ذلك بعد تزويده بالوسائل و التقنيات و الكفاءات التي تمكنه من أن يصبح قارئا مستقلا و منتجا.
Description
Keywords
التقويم التربوي, النصوص الأدبية, الإصلاح التربوي