جماليات المكان في رواية حسناء غرناطة لباديس فوغالي أنموذجا
No Thumbnail Available
Date
2013
Authors
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة أم البواقي
Abstract
لقد شكل المكان أهمية بارزة و مؤثرة في حياة الأدباء لاسيما العمل الأدبي في حد ذاته و تعود تلك الأهمية لدلالاته الكثيرة ،فالحياة بمعزل عن المكان تبدو حياة تائهة متقنة فهو الذي يحفظها من الزوال و الاندثار .
و قد ارتبطت دراسة المكان بالتحليل القصصي و الروائي ،لكونه المجال الذي تتفاعل فيه أحداث القصة و الرواية إذ لابد من إطار يشمله و يحدد أبعاده ،فيكسب من الواقعية ما يجعله حدثا قابلا للوقوع على هذه الحالة أو تلك و كذا باعتباره الوعاء الفني الأكثر استيعابا لها ،إذ أن كل المكونات الروائية تشكل داخله فهو يجسد رؤية الكاتب ،و يحيل إلى كثير من الأبعاد الرمزية كذا قيل عنه أنه الحاضنة الطبيعية للشخصيات الروائية و مسرح الأحداث .
فكل دراسة للمكان هي دراسة لشبكة العلاقات التي تربط الأشخاص بالمجال الحياتي ارتباط هوية ووجود و انتماء و قد كانت علة اختيارنا لهذه الدراسة أسباب أهمها :
-محاولة الكشف عن الخصائص الفنية المتمثلة خاصة في المكان الذي يظهر جليا من خلال عنوان الرواية ،باعتبار الظاهرة المكانية مكونا رئيسا من مكونات العمل الروائي فالمكان له حضوره الدائم في الظاهرة الأدبية و بنائها الفني ،كما أنه لم يعد مجرد خلفية تقع فيها الأحداث الدرامية فأصبح ،ينظر إليه على أنه عنصر شكلي و تشكيلي من عناصر العمل الفني .
غزارة و تنوع الأمكنة عند الروائي " باديس فوغالي "
و لهذه الأسباب و غيرها عزمنا على اختيار هذا الموضوع .
سواء هذا ما أدى إلى احتضان الموضوع مجموعة من الإشكالات فتساءل عن ماهية المكان ؟و ماهية أبعاده التي وضعها المنظرون ؟و أين تمثلت جماليته و أهميته في رواية حسناء غرناطة المأخوذة كنموذج للدراسة ؟و هل له علاقات بباقي عناصر البناء الفني في الرواية ؟و لتطبيق هذه الدراسة استهنا بالمنهج البنيوي متبعين إجراء التحليل و الوصف لدراسة المكان كبنية داخل المتن الروائي بما له من أبعاد و معان تحتاج للتفكيك و اكتشاف ما توارى خلفه وبتحديد المستويات المتعلقة بالبناء ،كما أن غايتنا من إتباع هذا المنهج ،هو كشف العلاقات القائمة بين المكان و المضمون .
و لقد سبقت هذا البحث بحوث شتى حاولت أن أفيد منها إفادة المتعلم إذا أنها كانت على درجة كبيرة من الأهمية من بينها .الزمان و المكان في الشعر الجاهلي ل: باديس فوغالي.
*فلسفة المكان في الشعر العربي :ل حبيب مؤسني
*بنية النص السردي لحميد لحميداني .
*جماليات المكان لجاستون باشلار .
و غيرها من الدراسات ،و على الرغم من عنايتهم بموضوعات المكان و تماثلها مع موضوع دراستنا ، إلا أننا ارتسمنا منهجا مختلفا و اعتمدنا على الرواية مصدر أساسها .
و قد كانت هذه الاتجاهات لباحثينا بمثابة الجذوة المعرفية التي أضاءت أمامنا هذا الطريق ،و شجعنا على الدخول إلى فضاءات النص الروائي .
و بعد الإطلاع عليها و على غيرها اهتدينا إلى وضع مخطط منهجي سار على دربة البحث ،فجاء مشتملا على مدخل و فصلين سبقتهما مقدمة ،تنتهي بخاتمة متبعة بفهرس أما المدخل فتناولنا فيه تحديد المفاهيم لأهم المصطلحات المفتاحية في البحث ،من مفهوم الجمالية ،مفهوم الرواية و رصد واقع الرواية الجزائرية
و خلصنا فيه إلى أنه ليبس الشيء إذا أحسن هو الجميل فقط ،إنما ما يبدو و ظاهره قبيحا يعد جميلا ، و ذلك باعتباره معيارا من معايير الجمال فلو لم يكن القبح لما عرفنا الجمال ، لذا نجد أن كل أديب يسعى إلى خلق عمل جميل تستسيغه كل النفوس الجميلة ،لأن الجمال هو القيمة الحقيقية للنص ، و هو ما يسعى القارئ للوصول إليه بعيدا عن كل تلك الخلفيات التي يرتكز إليها أو الأفكار التي يحملها في جعبته .
أما أسباب تأخر ظهور الرواية في الجزائر فترجع إلى صعوبة هذا الفن الذي يحتاج إلى صبر و اناة ،و يتطلب ظروفا ملائمة تساعد على تطوره و عناية الأدباء به و كذا عدم توفر نماذج يقلدها أو ينسج عليها الكتاب الجزائريون ،و عدم استطاعتهم الاتصال بالأدب العربي بسبب ظروف الاستعمار التي عاشوها آنذاك .
بعد ذلك ياتي الفصل الأول الموسوم ب: المكان ،أهميته ،أبعاده و جماليته في الخطاب الروائي ،و قد تضمن ثلاث محاور رئيسة سنتطرق في المحور الاول لتعريف المكان (لغة ،اصطلاحا ،فنيا ، فلسفيا ) أما المحور الثاني فسنتعرض فيه إلى أبعاد المكان في رواية حسناء غرناطة ،في حين أن المحور الثالث سنتناول فيه مستويات المكان في الرواية ذاتها إذا أنه تنوع بين مجازي ،هندسي ،معادي ،و المكان كتجزئة معاشنة.
و خلصنا فيه إلى أن هذا العنصر الفني ،المكان قد شغل اهتمام النقاد الغربيين و كذا العرب في محاولة منهم إلى وضع و تحديد مفهوم شامل للمكان .
فنجد أن الروائي قد وفق إلى حد كبير في تجسيد تلك الأبعاد في هذه الرواية ،و هذا نابع من كونه يحن كثيرا إلى مدينته إذا نجد أن الرواية تعتبر بشكل جيد عن الحالة الشعورية التي عاشها البطل ،إذا أن الكاتب حول المكان إلى أداة تعبير عن واقع الحياة و ما يعانيه البطل بين شوقه و حنينه لمدينته التي تركها و بين نفوره من المدينة التي التي رآها عند عودته ،و هذا ما جعل المكان مسرح للأحداث التي تصنعها الذاكرة ،و معبرا عن المقومات المرتبطة بالهوية و الوجود .
كما نجد أن الروائي حول المكان من الظرفية و الجغرافية إلى علاقات اجتماعية فنية ،و هذا يكسب العمل الإبداعي قيمته .
أما الفصل الثاني الموسوم ب : التشكيلات المكانية و دلالاتها في رواية حسناء غرناطة ،قد تضمن محورين الأول جاء تحت عنوان التشكيلات المكانية و دلالاتها في رواية حسناء غرناطة ،الذي يحمل عبر صفحاته ذكر لأهم الأماكن المفتوحة التي ذكرت في الرواية (المدينة ،الغابة ،الشارع ...) و كذا الأماكن المغلقة التي ساهمت في بناء و تطور الأحداث ( الكهف، الغرفة ،المسجد ...) أما الثاني فقد ورد بعنوان العلاقات الوظائفية و الأدائية للمكان في رواية حسناء غرناطة ،و الذي خصصنا الحديث فيه عن علاقة المكان بالزمن ،و كذا علاقته بكل من الشخصية و اللغة .
فخلصنا فيه إلى أن الروائي قد وفق في توظيفه لأهم الأماكن المفتوحة و تحميلها الدلالات النفسية و الاجتماعية و التاريخية نظرا لارتباطها بالواقع الذي أسبغه في معظم الرواية بالقتامة ناشدا الحرية و الخروج من القوقعة الموجود داخلها و كذا الأماكن المغلقة التي كان لها أثر كبير على نفسية الشخوص حيث تراوحت بين الإحساس بالراحة و التوتر .
كما توصلنا إلى أن الكاتب لم يعزل الشخصيات عن الأحداث و المكان ،مما ساهم في بناء الرواية ،و تطور أحداثها ،فهو لم يضعها في قالب جامد ،إنما تركها تتنفس و تحيا و تصطدم مع تيارات المجتمع حتى تعبر عن موقفها .
و كذا إكساب المكان أهمية كبرى ،كونه الفضاء الذي احتوى جميع العناصر الروائية من حوادث شخصيات زمان و ما بينهما من علاقات ،و منحها المساحة الكافية لتعتبر عن وجهة نظرها ،مما جعله يدخل في صلات وثيقة مع باقي المكونات الحكائية في النص السردي .
كما أن الكاتب لم يغفل عن ذكر المكان العربي والإسلامي و تناوله في النص (القدس ،غرناطة ) فالقدس تحولت إلى رمز ديني و تاريخي عند الأدباء العرب ، فهم يحنون إليها لأنها الفردوس المفقود و التاريخ الثري بالأحداث العظام قريبة منهم للكنها بعيدة التحقيق .فهي لن تنسى فتبرز في النص كما برزت في القبل و الذاكرة .في صورة جميلة مرة و مأساوية مرات كثيرة فهذا المكان ذو أبعاد دينية ،و تاريخية و قد لجأ الكاتب إلى ذكرها لأنه وصل إلى مرحلة الفقد و الغياب و الضياع .فقد لما كانت غرناطة و اليوم القدس ،فهو بهذه يعود إلى الماضي المشرف المنير و الأيام الجميلة الزاهية إلى زمن العز فأعطى بذلك النص سبغة جديدة مفعمة بالإيحاء و الصور مشبعة بالرموز المتفتحة .
زد إلى ذلك مزج الكاتب المكان بالمرأة و المرأة بالمكان ،و هذا اللجوء له مبرر نفسي ففي غربته يكون بحاجة إلى أنيس و رفيق ،و المرأة هي هذا الأنيس جسدا و خيالا و مكانا ،و عندما يفتقدها يبحث عن شبيهاتها .فلا يجد إلا الأمكنة فالمدينة عنده تحولت إلى امرأة تنتهي الرحلة عندها ، لتبدأ الإقامة الأبدية لديها (زوجته ) وليعود الكاتب إلى ذاته التي ضيعها في رحلته فالعودة إليها عودة إلى الذات ،و عودة للمكان .
-قسنطينة -لبداية حياة جديدة .
و بالجملة فإن الرواية فيها الشيء الكثير مما يمكن أن يقال من حيث أسلوبها وموضوعها ،فالمؤلف فيها ألم بحياة الناس و تحدث عن الفرد و الجماعة ،عن الماضي و عن الواقع .
Description
Keywords
الرواية, رواية حسناء غرناطة