غزل العباس ابن الأحنف و عمر ابن أبي ربيعة
No Thumbnail Available
Date
2012
Authors
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
جامعة أم االبواقي
Abstract
يدرس هذا البحث موضوع الموازنة بين شاعرين من شعراء العربية، خصص كل
واحد منهما قريحته الشعرية التي حباه الله إياها في غرض واحد تقريبًا هو الغزل، فلم يقولا في غيره
من أغراض الشعر إلا قلي ً لا، والشاعران هما عمر بن أبي ربيعة، وهو شاعر أموي من شعراء القرن
الأول الهجري، والآخر هو العباس بن الأحنف شاعر عباسي من شعراء القرن الثاني الهجري و
بالتالي كان اختياري لشاعرين من عصرين متتاليين فطبيعة الغزل في العصر العباسي هي امتداد
لما كانت عليه في العصر الأموي.
وهذا البحث ينطلق من مجموعة تساؤلات و إشكالات مفادها :
كيف أّثر عصر كل شاعر في تجربته الشعرية ؟وكيف تجلى غرض الغزل في شعر كل منهما ؟وما
هي نظرة كل منهما إلى المرأة المعشوقة ؟وكيف تجّلت صورة هذه الأخيرة في شعريهما ؟وما
مقومات بناء قصيدة الغزل عند كل شاعر؟ هذه تساؤلات حاولت من خلال بحثي هذا أن أجيب عنها
و أن أهدف من ورائها إلى إبراز و كشف التجربة الغزلية عند كل شاعر متخذا سبيل الحيادية و
الموضوعية ما استطعت إلى ذلك سبيلا .
إ ن مادفعني إلى اختيار هذا الموضوع هو ميلي لشعر الغزل الذي ينم عن عاطفة إنسانية نبيلة
. و ِ جدت في النفوس منذ خلق الله الإنسان، و سبب اختياري لهذين الشاعرين دون غيرهما من الشعراء
فسببه هو الاختلاف في اتجاههما في غرض الغزل؛ إذ إ ن عمر بن أبي ربيعة يعد من شعراء الغزل
الصريح، أما العباس بن الأحنف فهو من شعراء الغزل العفيف، وهما شاعران شغلا النقاد والدارسين
بشعريهما و حظيا بالاهتمام من لدن المهتمين بالأدب العربي وأعلامه قديمًا وحديثًا.
وقد أقمت بحثي على خطة حوت ثلاثة فصول، يسبقها تمهيد و تعقبها خاتمة، حيث تحدثت في
التمهيد عن معنى الموازنة لغة واصطلاحًا بإيجاز وكذلك أهم الكتب النقدية التي أُّلفت في هذا المنهج
قديمًا وحديثًا، ثم كان الحديث عن عصر كل شاعر وكيف أّثر في شعره ، من منطلق أن دراسة
الملابسات الخارجية للشاعرين أداة إجرائية مساهمة في عملية الموازنة.
أما الفصل الأول فجعلته في ثلاثة مباحث، حيث تناول المبحث الأول لمحة عن غرض الغزل
من حيث مفهومه و تطوره حتى العصر العباسي، وكان المبحث الثاني لدراسة غزل عمر بن أبي
ربيعة، والمبحث الثالث منه لغزل العباس بن الأحنف، وكانت الدراسة تحليلية لشعر كلٍّ منهما.
وأما الفصل الثاني فتناولت فيه صورة المرأة المعشوقة عند كل شاعر، واشتمل هذا الفصل على
مبحثين خ . صصت المبحث الأول لدراسة صورة المرأة في غزل عمر بن أبي ربيعة، و المبحث
الثاني لصورة المرأة في شعر العباس ابن الأحنف، ثم عمدت إلى الفصل الثالث فتطرقت فيه إلى
بناء قصيدة الغزل لدى كل شاعر، وجعلت هذا الفصل في مبحثين ، المبحث الأول تناولت فيه لغة
الشاعرين و أسلوب كلّ منهما ،وانص . ب المبحث الثاني على دراسة الإيقاع الشعري بنوعيه: الخارجي
المتمثل في الوزن، والقافية، والروي، و الداخلي المتمثل في التكرار، والجناس، والطباق، و التصدير
والتدوير.
وفي الخاتمة أوجزت أهم النتائج التي توصل إليها البحث، ثم أتبعتها بملحق تمثل في نبذة عن
حياة الشاعرين ثم قائمة للمصادر والمراجع و كذا فهرسا للموضوعات.
وقد اعتمدت في دراستي هذه على بعض الدراسات السابقة المتعلقة بالموضوع و عدد من
المصادر والمراجع القديمة والحديثة منها التاريخية، ومنها الأدبية، ومنها النقدية، مثل الأغاني
للأصبهاني، والشعر والشعراء لابن قتيبة، والموشح للمرزباني، والعمدة لابن رشيق القيرواني، فض ً لا
عن تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف ولعمر فروخ ولجرجي زيدان وحديث الأربعاء لطه حسين،
ودراسة جبرائيل جبور التي تصدى فيها لعصر عمر ابن أبي ربيعة وحياته، وحبه وشعره، وكتاب
العباس ابن الأحنف لعاتكة الخزرجي، والشعر والشعراء في العصر العباسي لمصطفى الشكعة،
واتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري ليوسف حسين بكار، واتجاهات الشعر العربي في القرن
الثاني الهجري لمحمد مصطفى هدارة، وتطور الغزل بين الجاهلية والإسلام لشكري فيصل، و عمر
بن أبي ربيعة ونزار القباني لماهر حسن فهمي وغيرها من الكتب الحديثة، وكان أهم هذه المصادر
ديواني الشاعرين؛ إذ هما المعين الأول لدراسة شعريهما، والمنفذ الحقيقي لدراسة نفسيتيهما.
أما المنهج الذي اعتمده البحث فكان منهجًا وصفيا تحليليًا قائما على الاستقراء و التحليل ثم الموازنة
كمرحلة أخيرة محاولا استنطاق النصوص الشعرية من ديواني الشاعرين ومعتمدا على المصادر
الأدبية والنقدية والبلاغية التي هيأت للبحث مادته.
وكطبيعة أي بحث علمي فلا يخلو بحثي هذا من صعوبات و عراقيل كثيرة أهمها ضيق الوقت
المخصص ،إضافة إلى كثرة الشواغل وصعوبة الحصول على المراجع .
بع . د تلك الرحلة في ديوان عمر بن أبي ربيعة، وديوان العباس بن الأحنف ، أستطيع أن أوجز أهم
ما تو . صل إليه البحث من نتائج وأفكار على النحو الآتي:
- تشا.به عصري الشاعرين، فالعصر العباسي يعد امتدادًا طبيعيًا للعصر الأموي، مع ما طرأ
على الحياة العربية والمجتمع العربي من تغييرات كثيرة، دخلتها تحت تأثير العناصر الأجنبية،
ولاسيما الغناء، الفن الذي كان له أثر. كبير في الشعر؛ إذ رّقق ألفاظه، وأبعد لغته عن جفوة البادية، و
قد بدا أثر البيئة الحضرية جليا في إبداع الشاعرين و لا سيما عند العباس ابن الأحنف.
- الثراء الذي تمّتع به الشاعران جعَلهما يتفرغان لهذا اللون الرقيق من الشعر، فصاغا لنا أجمل
. صور الحب وأعذِبها.
- اختلا ُ ف منهج الشاعرين في الغزل، فمع أن العباس ابن الأحنف .يشبه بعمر بن أبي ربيعة ، إلا
أن هناك تباينا كبيرا بينهما ، فعمر _الذي وصَفه الدكتور طه . حسين بالشاعر المحقِّق الذي يبتغي
الحب في الأرض لا في السماء_ لم يكن عاشقًا بالمعنى الحقيقي ، و إنما كان حبه أدنى إلى اللهو و
العبث منه إلى الحب الصادق و كان يتعشق الجمال أّنى وجده ، فكان ينظر إلى المرأة نظرة رجلِ
الفن الذي يستهويه الجمال لا نظرَة العاشق ، وكان نرجسيًا عاشقًا لذاته ،أما العباس بن الأحنف فكان
عاشقًا حقيقيًا في حبه، مثالي النزعة شأُنه شأن العذْر.يين ، فهو يرى محبوبته بعاطفته وقلبه لا بعينه ،
فحبه خالص من شوائب الدنس و الرجس هو حب طاهر عفيف شريف لا يعرف .مخزيات المآثم ولا
زلات الأهواء .
- مثَّلت المرأُة نقطة حساسة في حياتهما، ففي حياة بن أبي ربيعة وشعره كُثرت النساء؛ فهو لم
يقصر قلبه وشعره على واحدة بعينها بل سعى وراء الجمال أينما وجد، أما ابن الأحنف فقد قصر
شعره وحبه على واحدة عاش معذبًا من أجلها فهو ينزع بذلك نزعة الصوفية و الوحدانية في حبه .
- اهتم عمر بن أبي ربيعة في وصفه للمرأة بالجانب الحسي، ولم يأت في أوصافه وتشبيهاته
للمحبوبة بصور جديدة، إّنما كانت َتكرارًا لمن سبقه من الشعراء، والعباس مثله في تشبيهاته، إلا أّنه
اهتم بالوصف المعنوي أكثر من اهتمامه بالوصف الحسي.
- كان للتطور الحضاري الكبير الذي شهده العصرين الأموي والعباسي انعكاس واضح في .
أوصاف الشاعرين، فقد أتحفانا بأوصاف وصور حضارية للمرأة .
- الاستعلاء سمة بارزة في شعر عمر بن أبي ربيعة، فهو معشوق أكثر منه عاشقًا، والمرأة هي .
التي كانت تسعى إليه، وتتصدى له، يقابله الذل والخضوع الذي كان سمة بارزة في شعر العباس ابن
الأحنف، فغلب على شعره الشكوى والبكاء نتيجة صد الحبيبة وهجرها الدائم له.
- تميز شعر عمر بالأسلوب القصصي المعتمد على الحوار بين شخوص قصصه، ولاسيما في .
قصائد المغامرة واللقاء، فيما خلا شعر العباس من مثل هذا النوع.
- الطابع السائد في شعر عمر بن أبي ربيعة هو الفرح والسرور وكثرة اللقاءات بينه وبين
حبيباته، فهو لم يشك هجرًا ولم يتألم مثل العباس بن الأحنف الذي غلب على شعره مسحة الحزن
والأسى، والبكاء من ص. د المحبوبة وهجرها مما أدى إلى المبالغة في وصف حاله وما أصابه من
نحول وشحوب ومرض .
- مالت لغتهما الشعرية إلى ما يسمى بشعبية اللغة والقرب من لغة الحياة اليومية، مع .
حرصهما على المحافظة على جزالة اللغة ورّقتها، والعمق في التعبير عن عواطفهما وأفكارهما من
خلال عمق التجربة وشدة العاطفة ، ومما تميز به شعر عمر استعماله كثيرًا من ألفاظ النساء في
شعره.
- عنايتهما الكبيرة بموسيقى الشعر لإثارة الانفعال المناسب في نفس المتلقي، ولارتباطها.
بالعواطف فهي لغة الوجدان والمشاعر، إذ كانت عام ً لا مساعدًا في إغناء الكثير من نصوصهما
الشعرية، ولاسيما شعر عمر بن أبي ربيعة الذي حظي باهتمام كبير من قبل المغّنين في عصره
والعصر الذي تلاه.
- . ميل الشاعرين في النظم على البحور الطويلة، ولاسيما الطويل والبسيط، والكامل، .
والخفيف، والسريع.
- ن َ ظم الشاعران أغل . ب نصوصهما على حروف الروي الشائعة بين الشعراء مثل الراء والباء .
والنون، والدال، واللام وغيرها، وكانت القافية المطلقة لها الغلبة على القافية المق.يدة في شعريهما.
- كثرة الرسل والرسائل في شعريهما، فالشاعر مرآة عصره، والصورة الناطقة لمتغيرات .
المرحلة التي يعيشها، فتركيز الشاعرين على هذه الظاهرة هو دليل على ما نالته المرأة من حرية في
التصرف.
وأخيرًا فلا يستطيع باحث مهما أوتي من بصيرة ثاقبة وحس مرهف أن يحيط بكلّ الدقائق الفنية
التي تقام عليها ركائز الموازنة بين شاعرين كبيرين من شعراء العربية شغلا النقاد قديمًا
وحديثًا،وحسبي أنني اجتهدت،و للمجتهد أن يصيب و يخطئ و ما لا يدرك كله لا يترك جله وكما
قال الشاعر : لكل شيء إذا ما تم نقصان فلايغر بطيب العيش إنسان
Description
Keywords
الغزل